الإتصالات في الحرب

تلميح: تعتبر الاتصالات ضرورية للتنسيق والتكامل والوحدة في المعارك المهمة والعمليات واسعة النطاق، هذا التنسيق للحرب غير ممكن بدون الاتصالات السلكية واللاسلكية. يعتبر النقاش في مجال الاتصالات قضية مهمة ولكنها مجهولة في الحرب. لإدراك أهمية هذا الجزء المهم الذي لا ينفصم عن الحرب، حاورنا العقيد نعمة اللهي، ضابط وقائد فرقة  77 للإتصالات في مشهد.

حدثنا عن نفسك…

أنا قاسم نعمة اللهي. ولدت عام 1938م في مدينة كرمان. بعد حصولي على دبلوم الرياضيات، تقدمت للامتحان. أتيت إلى كلية الضباط في طهران وانضممت رسمياً إلى الجيش. في عام 1961م تخرجت في مجال الاتصالات.

أين كان أول مكان تم إرسالك إليه بعد الكلية؟

قبل الإجابة على سؤالك، أود أن أقول عندما كنت طالباً، كان الأساتذة يحذروننا من عدم الإهتمام بالدراسة، لأنّ مكان الطلاب الكسالى في فيلق 5. حيث يتم إرسال الطلاب ذوي المستوي الدراسي المتردي إلي المعسكرات. كان يعرف باسم منفي الجيش. كما كانوا يقولون: الكسالي مكانهم هناك.

كنا خائفين من أن تكون درجاتنا منخفضة ونرسل إلي المعسكر خانه. كنا خائفين من سماع اسمه. لكن لحسن حظنا، طلب قائد الثكنات في ذلك العام من قائد القوات البرية عدم إرسال الأشخاص الراسبين إلى هناك. لهذا عملت الصور دائماً في تقسيم القوات علي عكس ذلك. كنا 131 طالباً تخرجوا في ذلك العام. تم إرسال أول عشرين شخصاً إلى كردستان، ومهاباد، وجلديان، وبسوه، وخانه وأرسل العشرون شخصاً الآخرين إلى وزارة الحرب في طهران. وفقاً لما قاله الشباب، جلس الأشخاص الكسالى خلف الطاولة. كان عليّ أن أقدم نفسي إلى المعسكر في الأول من أكتوبر 1961م. كنت جالساً في الحافلة الصغيرة، وكلما اقتربت من المعسكر، ملأ الذعر المجهول وجودي. صرخ السائق بينما كانت الحافلة الصغيرة تعبر الجبل الأخير: “لقد وصلنا إلي خانه”.

كيف وجدت معسكر خانه؟

بدا من بعيد وكأنه قرية صغيرة عند سفح جبل. بنى الأمريكيون أحدث ثكنات عسكرية في الشرق الأوسط. اكتشفت لاحقاً أنّ أكبر فرقة عسكرية كانت متمركزة في خانه التابعة للجيش. ربما بسبب الملا مصطفى بارزاني، الذي تسبب في الكثير من المشاكل لكردستاننا. كانت حامية خانه وسيعة بعد حامية مراغة من حيث المساحة وصلت هناك قبل الظهر. بدا لي أنه مليء بالجمال واللون.

ما هو الموقع الجغرافي التابع لمعسكر خانه؟

كانت المدينة تتمتع بمناخ بارد بسبب موقعها في السهول والارتفاعات. تقع المدينة على حدود أذربيجان الغربية مع العراق. ومن الشمال تقتصر على نقده (سولدوز) ومن الجنوب الى سردشت ومن الشرق الى مهاباد ومن الغرب الى العراق. كان المعسكر يقع في طبيعة جميلة وكان النهر يتدفق خلف المعسكر.

من كان قائد معسكر خانه في ذلك العام؟

العميد مبين.

ما هي المهمة التي حولها لك؟

سلمني قيادة وحدة اتصالات المدفعية.

حدثنا عن إمكانيات ومرافق المعسكر خانه..

كانت هناك في المعسكر، مستشفيات ومحلات تجارية جيدة التجهيز، ولم يكن هناك نقص باستثناء كونها بعيدة عن المدن الكبرى.

هل توجد مدرسة لأبناء الضباط في السكن الإداري بالمعسكر؟

نعم، حوّل الضباط سجن المعسكر إلى مدرسة ابتدائية. لأنّ البيئة المدرسية في المدينة لم تكن جيدة، قامت زوجات الضباط بتعليم الفتيات والضباط يعلمون الفتيان الصغار. كان الأمر كما لو أنّ السنة الأولى من المدرسة بها صفوف حتى الصف الثالث. لكن بعد فترة، نمت المدرسة وأصبح فيها صفوف حتي الصف السادس الإبتدائي. بعد فترة، اعترفت وزارة التربية والتعليم بمدرسة المعسكر وأرسلت الكتب والمعلمين إلى المدرسة. بالطبع، كانت الكتب توفرها الحامية نفسها. في الأول من أكتوبر، تبدأ مدرسة المعسكر العمل. كما كان يذهب بعض الأطفال إلى المدرسة سيراً على الأقدام. لكن في الشتاء، عندما يكون الطقس شديد البرودة، كانوا يوفرون سيارة لهم.

في ظل الظروف الجبلية، هل كانت تقام دورات تدريبية خاصة؟

نعم، في ربيع عام 1962م، جاء فريق مكون من أحد عشر فرداً من الضباط الأمريكيين وألمانيا الغربية لزيارة المعسكر وعقد دورة حرب العصابات لأربعين فرداً. استمرت الصفوف لحوالي شهرين. قاد الكابتن باك فريق حرب العصابات. يبدو أنّ النقيب باك كان في مجموعة شيراز الاستشارية لعدة سنوات وكان يعرف القليل من اللغة الفارسية. كانت فترة صعبة ومذهلة. ومن المثير للاهتمام أنّ الفريق أحضر معهم خريطة مفصلة للمنطقة. لقد اندهشنا جميعاً لوجود الخطة العسكرية لإيران بأيدي هؤلاء! كانت فترة متعبة. في نهاية الفترة غادر الضباط الأجانب المعسكر وعادت حياتنا إلى طبيعتها.

في ذلك الوقت، إلى أيّ دولة يرسل الجيش الضباط للتدرب على الاتصالات؟

في عام 1972م، ذهبت إلى كندا برفقة عشرة ضباط لأخذ دورة في الإرسال اللاسلكي الإذاعي. قضينا الدورة في مصنع ماركوني، الذي كان يصنع اللاسلكيات. تم صنع جهاز الترحيل اللاسلكي بالاشتراك بين الولايات المتحدة وكندا وتم منحه فقط لألمانيا وفرنسا وإيران. حاولوا عدم بيع هذه الأجهزة للدول المجاورة.

ما هي مميزات هذا الجهاز؟

كانت مراحل الراديو اللاسلكية لا مثيل لها في مجال الاتصالات. قدمت لنا هذه الآلة أعظم خدمة في الحرب. أعتقد دائماً أنه لولا هذا الجهاز، فكيف يمكنني التواصل مع قادة الفيلق. جهاز لم يكن به أدنى خطأ في الاتصال. لا أحد يستطيع التنصت عليه.

اين كنت عام 1978؟

كنت في مشهد.

ما هي سمتكم؟

كنت قائد كتيبة الاتصالات التابعة للفرقة 77. بعد انتصار الثورة، شرعت كتيبة الاتصالات السلكية واللاسلكية بكاملها في العمل على إصلاح الآلات والأجهزة وأجهزة الراديو التالفة، حتى أنني استعانت بقوات شخصية خارج الثكنات حتى أتمكن من تسوية حالة الكتيبة السيئة.

أي منطقة كانت أول مهمة لكتيبتك إلى المناطق العسكرية، وكيف رأيتها كقائد للفرقة 77 كتيبة الاتصالات في المنطقة من حيث الاتصالات؟

في 7 مارس 1980 وصلت كتيبة الاتصالات والمجموعة القيادية بقيادة العقيد سيروس سعيد إلى ماهشهر ومعها جميع معدات الفيلق. استقرينا في حامية نوفا الجوية التي كانت تبعد خمسة كيلومترات عن ماهشهر. زرت مرافق الاتصالات السلكية واللاسلكية في المخيم مع مسؤول الاتصالات في أروند. رأيت أنهم يستخدمون الكثير من أجهزة الاتصالات السلكية واللاسلكية مثل اللاسلكي (مابكور وآراف)، كان بإمكان العدو أن  يكتشف كل المعلومات المتبادلة. قلت متفاجئاً: آلات عسكر طيبة السرية فيها عشرات المفاتيح. إذا قمت بإرسال رسالتين بمفتاح واحد، فسيتمكن العدو من اكتشافها. خاصة الإسرائيليين الذين يتقنون هذا.

على جانبي طريق ماهشهر – آبادان، احترق سرب من الدبابات والسيارات. وبدا لي أنّ سبب معظم التدمير ووصول العراقيين إلى أراضينا لا يمكن أن يكون سوى تجاهل لقضايا المعلومات والاتصالات. أتذكر، كان الغسق. كنت أتمشي تحت جسر مدينة خرمشهر. كان يوشك الظلام أن يحل. لقد لاحظت شخصاً مرتدياً  بدلة شخصية يتحدث تحت الجسر. ذهبت إليه. رأيته يتحدث بلاسلكي من نوع (بي آر سي 77). يتحدث بشكل جلي وبلهجة قائنية. قلت: يا فتى ماذا تفعل؟ لا توجد طريقة من هذا الجانب من الجسر إلى الجانب الآخر من الجسر، يمكن للعدو أن يسمعك تتحدث. قال: أتكلم بلهجة قائنية ولا يفهممون ما أقول إلا من كان قائنياً. أدركت أنّ هذا الإهمال هو الذي مكّن العراقيين من دخول سوسنكرد والحويزة، وبستان، إلخ ،وقام بالمرور عبر كارون ودخل البلاد عبر قصر شيرين وسربل ذهباب وكيلان غرب.

لقد واجهت شيئاً لم أكن أتوقعه، وهو أكثر كارثية من تدمير المدينة. في بعض الأماكن، تم استخدام الهواتف، واستخدم الضباط والجنود وأفراد الباسيج الهاتف للتواصل مع عائلاتهم. اقتربت من جندي على الهاتف. أدركت أنه ودون عمد كان يعطي كل المعلومات في المنطقة لعائلته دون أي نية سيئة. من اسم الوحدة والمكان الذي يتمركزون فيه إلى اسم القائد ومناوبة النهار والليل حيث يوجد المركز. كم عدد وحداتهم هناك وفي أي شارع… أدركت أنّ معظم الوحدات المهزومة هي من نفس الهاتف والأجهزة اللاسلكية وأجهزة الاتصالات السلكية واللاسلكية. هل مسافة المدن العراقية القريبة من آبادان أكبر من عرض أروند؟! من هذه المسافة، كان الاستماع سهلاً للغاية. ليست هناك حاجة للعدو لدفع تكلفة باهظة مقابل المعلومات. يحصل بسهولة على أفضل المعلومات بهذه الطريقة.

لم أكن مرتاحا للحظة. لم أنم لمدة ساعتين خلال الأربع وعشرين ساعة. اختار العقيد سيروس سعيد وأفراده معسكر نوفا ومعسكر الجراحي ومدرسة آزادكان ومدرسة سبهر كمجموعة رائدة لإنشاء المقرات والقيادة والمقر الرئيسي للفيلق.

بدأت مع قواتي بتركيب جهاز لاسلكي في المدرسة التي كان من المقرر أن يتواجد فيها مقر الفيلق. لم يكن لدينا ليلاً ولا نهاراً في عملنا. الآن بعد أن أفكر في الأمر، أرى أننا كنا نعمل لساعات مع جميع الضباط وحتى جنود كتيبة الاتصالات بتحديثها بأمانة وربط النهار بالليل دون أي شكاوى. كم أنا فخور وممتن لمرؤوسي. لقد عملوا في سرية، فقط تواقين للذود عن حياض الوطن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *